يوميات صائم صغير مدفع الافطار وفانوس رمضان ما أجمل سماع صوت "مدفع الإفطار"، بعدها أكون جالسًا أمام المائدة مع أسرتي لتناول وجبة الإفطار، بعد يوم كامل من الصوم.
وقصة مدفع الإفطار قصة جميلة .. فكما تقول رواية من رواياته ، حدث أن الناس اختلط عليهم وقت الإفطار ووقت السحور، وتساءلوا: كيف يعرفون وقت كل منهما؛ خاصة أنهم أحيانًا لا يسمعون الأذان، وأحيانًا يكون الجو مظلمًا في فصل الشتاء فلا يعرفون متى تغرب الشمس.
واقترح أحد الفلاحين على شيخ من شيوخ الأزهر قائلاً: مدافع محمد علي باشا -حاكم مصر في ذلك الوقت- بالقلعة تقلقني في الظهيرة.. لماذا لا تقلقنا ليلاً في إفطارنا وإمساكنا؟ سكت شيخ الأزهر قليلاً ثم قال: حقًا والله إنها فكرة يا أخي. وفى التوِّ ذهب شيخ الأزهر إلى محمد علي باشا، وقال له: يا والي البلاد، إن القاهرة قد اتسعت كثيرًا، ومن الناس من لا يسمع الأذان .. وقد اقترح عليّ فلاح مصري الآتي..... وحكى له.
فأمر محمد علي باشا بتنفيذ الفكرة، وسحب الجنود مدفعًا كبيرًا، ووضعوه فوق قلعة صلاح الدين.
وقبل رمضان بيوم جاء أربعة جنود إلى المدفع، واحد منهم "معمارجي"، ومهمته أن يضع الطلقة في مكانها داخل ماسورة المدفع فيعمِّرها، والثاني "رامٍ"، ومهمته أن يقوم بتشغيل الترباس الذي يحكم إخراج الطلقة، والثالث "طومار"، وهو الذي يقوم بتبريد الماسورة بعد إخراج المقذوف، والرابع مهمته إحضار الطلقة للمعمارجي.
ويقيم هذا الطاقم بجوار مدفع الإفطار طوال شهر رمضان، وعند ثبوت الرؤيا -رؤيا الهلال- يطلق الطاقم إحدى وعشرين طلقة ابتهاجًا واحتفالاً بقدوم شهر رمضان الكريم.
وفي أيام رمضان يطلق الطاقم طلقة ساعة الإفطار، وطلقة وقت الإمساك عند السحور. وبعد طلقة الإفطار يخرج الأطفال إلى الشوارع وهم يغنون وينشدون الأهازيج الرمضانية، والفوانيس الملونة على كل لون وشكل تتأرجح بين أيديهم، فمنهم من يمسك فانوسًا مربعًا، ومنهم من يحمل فانوسًا مثمنًا -أي ثماني الأضلاع-، ومنهم من يحمل فانوسًا مكورًا. ويطوفون بالشوارع في مهرجان جميل يكرر كل ليلة من ليالي رمضان مصحوبًا بكلمات جميلة يقولون فيها: وحوي يا وحوي.. إلياحه، وكمان وحوي.. إلياحه.
ويردّدون أغنية: حالو يا حالو.. رمضان كريم يا حالو، ويتبادلون المكسرات والقطايف والكنافة، ومنهم من يذهب لأداء الصلوات، صلوات التراويح التي تستمر حتى ساعة متأخرة من الليل، ومنهم من يجتمع حول الجدة العجوز وهي تحكي لهم عن الحكايات الجميلة التي شهدها شهر رمضان، وحكايات الشاطر حسن وست الحُسن والجمال، وحكايات الصياد الفقير، وألف ليلة وليلة، وسندباد، وغيرها من الحكايات الجميلة المسلية التي يحبها الصغار وينجذبون إليها.
وكانت بداية الفانوس في عهد الدولة الفاطمية، فالأنوار التي كان يحملها أهل مصر في أيديهم للزينة والاستدلال بها لاستطلاع الهلال كانت هي الشكل الأول للفانوس الذي نعرفه اليوم، ثم جاء الخليفة الفاطمي ليأمر بأن يُعلَّق فانوس كبير على رأس كل حارة من الحارات المصرية، فإذا تبيّنوا هلال رمضان وتيقنوا بقدوم الشهر الكريم عمت الفرحة الجميع، ونزلوا إلى شوارع القاهرة يهللون ويكبرون ويتصايحون بالفرحة الغامرة، ويقوم الأغنياء بتوزيع الهدايا والصدقات، ويقوم الناس بتهنئة بعضهم بعضًا، ويستعدون لأول سحور في الشهر